كتب شالوم ليبنر، الزميل البارز غير المقيم في مبادرة سكوكروفت للشرق الأوسط بمؤسسة أتلانتيك كاونسل، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يضاعف رهاناته السياسية والعسكرية في وقت تتزايد فيه عزلة إسرائيل الدولية. ورغم الضغوط الداخلية والانقسامات المجتمعية والسياسية، يضع نتنياهو كل أوراقه في يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على أمل أن يضمن دعمه وسط عاصفة الانتقادات والانتكاسات.

بحسب تقرير مؤسسة أتلانتيك كاونسل، فقد أعاد نتنياهو تأكيد طابعه "المقامر" من خلال السماح بشن هجوم مباشر على قيادات مناوئة في قطر في التاسع من سبتمبر، وهو تحرك اعتُبر تحدياً لمعادلات إقليمية ودولية شديدة الحساسية. وبينما تتوسع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ينقسم المشهد الداخلي بحدة بين قيادات سياسية تدفع باتجاه تشديد السيطرة العسكرية على القطاع ومؤسسة أمنية تفضل صفقة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى.

يشير التقرير إلى أن الانقسامات لا تقتصر على النخبة السياسية، بل تمتد إلى المجتمع الإسرائيلي نفسه، الذي يشهد موجات متصاعدة من الاحتجاجات والتظاهرات المضادة، بما يعكس انقساماً أيديولوجياً عميقاً يقوض تماسكه. وزاد الوضع السياسي سوءاً بعد انسحاب أحزاب يهودية متشددة من الائتلاف الحاكم، بينما يواجه نتنياهو ضغوطاً من شركائه في أقصى اليمين الذين يدفعون باتجاه رفض أي تسوية في غزة والمضي قدماً نحو ضم الضفة الغربية بالكامل.

ويرى تقرير أتلانتيك كاونسل أن نتنياهو يحاول تعويض تراجع مكانته داخلياً وخارجياً عبر تعزيز صلاته بترامب. فقد أغدق رئيس الوزراء على الرئيس الأمريكي مديحاً متكرراً، وصولاً إلى ترشيحه لجائزة نوبل للسلام، كما استثمر ظهوره المتكرر في وسائل إعلام قريبة من ترامب للترويج لفكرة أن الهجوم الذي نفذته حماس في أكتوبر 2023 لم يكن ليحدث في ظل إدارة ترامب.

لكن الارتهان لترامب يظل محفوفاً بالمخاطر. فالرئيس الأمريكي اتخذ خطوات مفاجئة أربكت نتنياهو في السابق، منها الانفتاح على حوار مع حماس وإيران، وعقد صفقات مع الحوثيين، وفرض رسوم جمركية على الواردات الإسرائيلية. ولم يتردد ترامب في توبيخ إسرائيل علناً، كما حدث عندما أمر على منصة "تروث سوشيال" بوقف غارة جوية على إيران.

ويضيف التقرير أن الفجوة بين واشنطن وتل أبيب تتسع أيضاً بشأن الملف السوري، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى دعم الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، في حين تواصل إسرائيل غاراتها الجوية هناك. كما أن إخفاق الضربة الإسرائيلية على الدوحة هذا الشهر قوّض صورة نتنياهو في نظر ترامب، الذي سارع إلى التنصل من القرار وإلقاء المسؤولية على رئيس الوزراء الإسرائيلي وحده.

في الداخل الأمريكي، لم يعد نتنياهو يواجه انتقادات من الديمقراطيين فحسب، بل أيضاً من جناح متصاعد داخل الحزب الجمهوري، خصوصاً التيار الانعزالي المرتبط بـ"أميركا أولاً". كما يشهد التأييد لإسرائيل تراجعاً ملحوظاً بين الجمهوريين الأصغر سناً. وعلى الساحة الدولية، تسارعت خطوات عدد من الدول – مثل كندا وأستراليا وبريطانيا – للاعتراف بالدولة الفلسطينية بشكل أحادي، ما زاد من عزلة إسرائيل.

وبينما يحشد الجيش الإسرائيلي ستين ألف جندي احتياط لعملية برية واسعة في غزة، يحذر قادة عسكريون من أن النتيجة المباشرة لهذه الاستراتيجية قد تكون فرض حكم عسكري مباشر على القطاع بحلول نوفمبر. كما أثار إعلان وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عن خطة لضم 82 في المئة من الضفة الغربية ردود فعل إقليمية غاضبة، حيث وصفت الإمارات هذه الخطوة بأنها "خط أحمر" يهدد بتقويض اتفاقيات إبراهيم.

ويخلص تقرير أتلانتيك كاونسل إلى أن نتنياهو، في سعيه المحموم لتثبيت دعائم حكمه، يخاطر بمستقبل إسرائيل من خلال الارتهان الكامل لترامب. فبينما يأمل في أن يحصد "الجائزة الكبرى"، قد ينتهي به الأمر إلى خسارة فادحة إذا ما قرر الرئيس الأمريكي، المعروف بتقلباته، تغيير مساره أو فرض خطته الخاصة التي تتضمن واحداً وعشرين بنداً لمستقبل غزة.

اعتراف نتنياهو في منتصف سبتمبر بأن إسرائيل ربما تضطر إلى التحول إلى "سوبر إسبرطة" يعكس إدراكه المتأخر لعمق أزمتها. غير أن الخيار الأكثر واقعية أمامه، بحسب التقرير، قد يكمن في إنهاء الحرب وإعادة بناء جسور الثقة مع الداخل والخارج، وإلا فإن رهانه على ترامب قد يقوده إلى عزلة خانقة وخسارة استراتيجية يصعب تداركها.
 

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/for-an-increasingly-isolated-netanyahu-its-money-time-with-trump/